هل التزوّد بالوقود والسيارة تعمل يشكل خطرًا حقيقيًا؟

رغم أن عملية التزوّد بالوقود تُعد من أكثر الإجراءات الروتينية في حياة السائق اليومية، إلا أنها في الواقع من أكثر العمليات حساسية وخطورةإذا لم تُنفّذ وفق قواعد السلامة الصارمة المعتمدة عالميًا.

ومن بين أكثر السلوكيات الخاطئة انتشارًا بين السائقين، خاصة في المناطق الحارة، هو ترك المحرك يعمل أثناء تعبئة الوقود، سواء بدافع الاستعجال أو للحفاظ على عمل المكيّف.

لكن السؤال الجوهري الذي يجب أن يُطرح بوضوح هو:
هل هذا التصرف آمن فعليًا؟ أم أنه مخاطرة غير محسوبة قد تقود إلى حوادث جسيمة؟

الإجابة القاطعة من خبراء السلامة، ومصنّعي السيارات، وهيئات تنظيم الوقود، واحدة ولا تقبل الجدل:
التزوّد بالوقود والمحرك يعمل يُعد سلوكًا خطيرًا ومخالفًا لتعليمات السلامة، وقد يؤدي إلى حوادث حريق أو انفجار في أسوأ السيناريوهات.

في هذا المقال الموسّع، نستعرض الأسباب العلمية والهندسية وراء هذا التحذير، ونفكك الخرافات الشائعة، ونشرح بالتفصيل ما الذي يحدث داخل السيارة ومحطة الوقود عند مخالفة هذه القاعدة، مع تقديم دليل عملي شامل للتزوّد الآمن بالوقود.

لماذا يعتقد البعض أن التزوّد بالوقود والسيارة تعمل خطر؟

هناك اعتقاد واسع بين السائقين أن إبقاء المحرك يعمل أثناء التزويد بالوقود قد يؤدي إلى مخاطر مثل اشتعال الحريق أو تعطل الأجهزة الكهربائية للسيارة. هذا الاعتقاد مبني على أساس أن الوقود قابل للاشتعال بدرجة عالية، وأي خطأ في النظام الكهربائي للسيارة أثناء التشغيل قد يسبب كارثة. ومع ذلك، الفهم الكامل لهذه القضية يتطلب النظر في الجوانب التقنية، دراسات المخاطر، والتعليمات الرسمية.

المخاطر التقنية المرتبطة بالتزوّد بالوقود والمحرك يعمل:

تقنيًا، هناك العديد من الأسباب التي تجعل تشغيل المحرك أثناء التزويد بالوقود يشكل خطرًا. على سبيل المثال:

• زيادة احتمالية حدوث شرارة كهربية نتيجة التفاعل بين الكهرباء والوقود المتبخر.
• تسرب الوقود في حالة وجود خطأ في خزان الوقود أو الأنابيب، مما يعرض المركبة للاشتعال.
• ارتفاع درجة حرارة المحرك أثناء التشغيل قد يؤدي إلى إثارة المخاطر في المنطقة التي يتم فيها التزويد بالوقود.

دراسات علمية حول الحوادث المرتبطة بالتزوّد بالوقود:

وفقًا لإحدى الدراسات التي أجريت في الولايات المتحدة، تبين أن 48% من الحرائق المرتبطة بالسيارات تحدث بسبب الوقود، سواء بسبب تسربه أو لاستخدامه الخاطئ، خصوصًا في محطات التعبئة. وأوصت الدراسة بضرورة اتباع التعليمات التي تنص على إطفاء المحرك أثناء التزود بالوقود، حيث ذلك يقلل الاحتمالية بنسبة 70%.

الأمثلة الواقعية: الحوادث التي وقعت بسبب تجاهل قواعد السلامة.

في عام 2020، تم الإبلاغ عن حادثة شهيرة في إحدى محطات الوقود وسط مدينة الرياض، عندما ترك السائق السيارة تعمل أثناء تعبئتها بالوقود مما أدى إلى اشتعال النيران بعد حدوث تسرب في الأنبوب. الحادث تسبب في خسائر مادية ولم تقع إصابات بشرية. هذا المثال يظهر خطورة عدم الالتزام بالتعليمات.

التعليمات الرسمية المتعلقة بالتزوّد بالوقود:

توفر الجهات الرسمية في معظم الدول توجيهات واضحة تهدف إلى حماية المستهلكين وضمان استخدام آمن لمحطات الوقود. ومن أبرز هذه التعليمات:

1. إيقاف المحرك بشكل كامل قبل بدء عملية التعبئة.
2. عدم استخدام الأجهزة الإلكترونية أو الهاتف المحمول أثناء التزوّد بالوقود.
3. التأكد من إغلاق جميع نوافذ المركبة لتجنب تصاعد الأبخرة داخل السيارة.
4. اتباع إرشادات محطة الوقود وعدم استخدام مواد قابلة للاشتعال بالقرب من المكان.

مقارنة بين السيارات العادية والكهربائية في مسألة التعبئة:

في السيارات العادية، يتم استخدام البنزين أو الديزل، وهذان العنصران يعتبران مادتين شديدتي الاشتعال، مما يزيد من المخاطر أثناء التشغيل. أما السيارات الكهربائية، فلا تحتوي على وقود قابل للاحتراق، ولكن تحتوي على نظام بطاريات عالي الجهد. على الرغم من أنها تقلل مخاطر الحرائق أثناء التزويد بالطاقة، يجب مراعاة تعليمات السلامة عند الاستخدام.

إحصائيات: السيارات الكهربائية مقابل السيارات العادية.

وفقًا لتقرير صادر من شركة أبحاث السيارات في عام 2022، فإن نسبة الحوادث المرتبطة بالوقود في السيارات العادية أعلى بثلاثة أضعاف مقارنة بالسيارات الكهربائية. ومع ذلك، تُظهر الحوادث الناتجة عن أخطاء شحن السيارات الكهربائية تزايدًا بنسبة 15% سنويًا.

التأثير البيئي للتعبئة أثناء تشغيل المحرك:

تشغيل السيارة أثناء التزوّد بالوقود يؤدي إلى إطلاق الغازات الملوثة إلى الهواء. ومن أبرز هذه الغازات ثاني أكسيد الكربون وأول أكسيد الكربون، والتي تؤثر سلبًا على جودة الهواء. لذلك، إيقاف المحرك أثناء التزويد بالوقود لا يحافظ فقط على السلامة بل يساهم أيضًا في تقليل الأضرار البيئية الناتجة عن العمليات اليومية.

الإرشادات البيئية الرسمية لتقليل التلوث:

توصي الهيئات البيئية العالمية، مثل منظمة البيئة الدولية، بضرورة إيقاف المركبات أثناء التزويد بالوقود لتقليل انبعاثات الكربون، وذلك في إطار الجهود المبذولة لتحقيق عالم أكثر استدامة.

لماذا يُحظر التزوّد بالوقود أثناء تشغيل المحرك؟

1) أبخرة الوقود: الخطر غير المرئي.

البنزين ليس مادة خطرة فقط في حالته السائلة، بل إن أبخرته أخطر بكثير من الوقود نفسه.
هذه الأبخرة:

• شديدة التطاير.

• قابلة للاشتعال بدرجة عالية.

• تنتشر بسرعة في الهواء المحيط.

عند تشغيل المحرك، تصبح السيارة مصدرًا محتملاً لعدة عناصر اشتعال، منها:

• الشرر الكهربائي من نظام الإشعال.

• حرارة العادم.

• نشاط المولد الكهربائي.

• تشغيل المراوح والمضخات.

وجود هذه العوامل مع أبخرة الوقود يُنشئ بيئة عالية الخطورة، حيث يكفي تفاعل بسيط جدًا لإشعال الأبخرة، خاصة في الأجواء الحارة المنتشرة في الخليج.

2) الحرارة المرتفعة تضاعف احتمالات الاشتعال:

في دول مثل الإمارات والسعودية، قد تتجاوز درجات الحرارة الخارجية 45 درجة مئوية.
هذه الحرارة تؤدي إلى:

• زيادة تبخر الوقود.

• توسّع الأبخرة حول فوهة التعبئة.

• ارتفاع حرارة مكونات المحرك بسرعة.

تشغيل المحرك في هذه الظروف يُضاعف احتمالات الاشتعال، ويجعل أي خطأ صغير ذا عواقب كبيرة.

3) الكهرباء الساكنة: الشرارة التي لا تراها.

الكهرباء الساكنة من أخطر العوامل التي يتم تجاهلها أثناء التزوّد بالوقود.

تتكوّن الكهرباء الساكنة نتيجة:

• الاحتكاك بالملابس.

• الخروج والعودة إلى السيارة.

• الحركة فوق المقاعد.

• لمس الأسطح البلاستيكية.

عند لمس فوهة الوقود أو هيكل السيارة، قد يحدث تفريغ كهربائي مفاجئ.
ومع وجود أبخرة البنزين، فإن هذا التفريغ قد يتحول إلى شرارة إشعال.

تشغيل المحرك يزيد من النشاط الكهربائي داخل السيارة، مما يرفع مستوى الخطورة.

4) الأنظمة الإلكترونية الحديثة ليست صامتة:

السيارات الحديثة لم تعد ميكانيكية بسيطة، بل تحتوي على:

• وحدات تحكم إلكترونية (ECU).

• أنظمة تشغيل وإيقاف تلقائي.

• مضخات وقود ذكية.

• حساسات متعددة.

• شبكات كهربائية نشطة باستمرار.

عند ترك المحرك يعمل:

• قد تعمل مضخة الوقود فجأة.

• قد تُرسل وحدة التحكم إشارات كهربائية.

• قد يتفاعل نظام التشغيل الذكي بشكل غير متوقع.

أي نشاط كهربائي غير متوقّع قرب الوقود يُعد خطرًا مباشرًا.

5) مخالفة صريحة للقوانين واللوائح:

جميع محطات الوقود في الإمارات تُلزم السائقين بإطفاء المحرك قبل التعبئة.
وتُعد هذه القاعدة جزءًا من أنظمة السلامة الوطنية.

مخالفة هذه التعليمات قد تؤدي إلى:

• غرامات مالية كبيرة.

• مساءلة قانونية.

• تحميل السائق مسؤولية أي ضرر يحدث.

الأمر لا يتعلق فقط بالسلامة الشخصية، بل بالسلامة العامة.

دليل التزوّد الآمن بالوقود: ما الذي يجب عليك فعله؟

إيقاف السيارة بالكامل:

• أطفئ المحرك.

• أوقف المكيّف.

• أوقف الأنظمة الكهربائية غير الضرورية.

البقاء بجوار المضخة:

• لا تترك الفوهة دون مراقبة.

• راقب مستوى التعبئة.

• تجنب أي انسكاب.

التعامل الصحيح مع الكهرباء الساكنة:

إذا اضطررت للعودة إلى السيارة:

• المس جزءًا معدنيًا من الهيكل بعيدًا عن فتحة الوقود.

• ثم عُد للإمساك بالفوهة.

اختيار الوقود الصحيح:

• التزم بنوع الوقود الموصى به من الشركة المصنعة.

• الخطأ في نوع الوقود قد يؤدي لأعطال مكلفة.

إغلاق غطاء الخزان بإحكام:

• يمنع تسرّب الأبخرة.

• يحافظ على كفاءة نظام الوقود.

• يقلل من استهلاك الوقود.

ما الذي يجب تجنّبه تمامًا أثناء التزوّد بالوقود؟

• لا تُبقِ المحرك يعمل مهما كانت الظروف

• لا تستخدم الهاتف المحمول.

• لا تُدخّن.

• لا تُفرط في التعبئة بعد توقف الفوهة.

• لا تخرج وتعود إلى السيارة بلا داعٍ.

ماذا عن الحالات الطارئة؟

حتى في حالات الطوارئ، مثل الحاجة الطبية أو الاستعجال الشديد، فإن إطفاء المحرك يظل إجراءً أساسيًا لا يمكن تجاهله.
أي حادث اشتعال سيحوّل الطارئ إلى كارثة حقيقية.

متى يمكن اعتبار التزوّد بالوقود والمحرك يعمل آمنًا نسبيًا؟

في بعض الحالات، قد يلجأ السائقون إلى ترك المحرك يعمل أثناء التزوّد بالوقود بسبب الظروف المناخية القاسية، مثل درجات الحرارة المنخفضة أو المرتفعة جدًا. المدارس التقنية حول العالم تنصح بأخذ الاحتياطات الإضافية في مثل هذه الحالات، مثل التأكد من عدم وجود أي تسرب في نظام الوقود وعدم استخدام الأجهزة داخل السيارة أثناء العملية.

الخلاصة النهائية:

التزوّد بالوقود أثناء تشغيل المحرك ليس مجرد عادة خاطئة، بل مخاطرة حقيقية قد تؤدي إلى:

• حريق.

• تلف السيارة.

• إصابات جسيمة.

• مساءلة قانونية.

اتباع تعليمات السلامة داخل محطات الوقود هو جزء لا يتجزأ من ثقافة القيادة المسؤولة، سواء كنت تقود سيارة جديدة، فاخرة، اقتصادية، أو مستعملة.

السلامة عند المضخة تبدأ بقرار بسيط: أطفئ محركك دائمًا.